للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضعين ثيابَك، فإذا حَلَلْتِ فآذنيني قالت: فلما حللتُ ذكرتُ له أنَّ معاويةَ بن أبي سفيانَ، وأبا جهمٍ خطباني، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أبو جهمٍ فلا يضعُ عصاه عن عاتِقِه، وأما معاويةُ فصُعلُوكٌ لا مالَ له؛ انكِحِي أسامةَ بنَ زيدٍ، فكرهتُهُ ثم قال: انكِحِي أسامةَ، فنكحْتُهُ. فجعلَ اللهُ فيه خيرًا، واغْتبَطْتُ به (١).

فلو كان في دينِ مُعاويةَ أو خُلُقِهِ شيءٌ لذَكَرَه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من بابِ أَولَى، ولم يكن من حالِه عيبٌ إلا أنَّه خفيفُ ذاتِ اليدِ وقتَها، إذ كان في أوَّل شبابِه -رضي الله عنه-، وحالُه في المال يتبيَّنُ في قصةِ أُمِّه هِندَ -في البخاريِّ ومسلمٍ - وفيها أنها سألتْ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ أبا سُفيان رجلٌ شَحيحٌ، وليس يُعطيني ما يَكفيني ووَلَدي، إلا ما أَخَذْتُ مِنه وهو لا يَعلمُ؟ قال: "خُذي ما يَكفيكِ ووَلَدَكِ بالمعروفِ".

سادسًا: حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعزته مع أهل بيته

كما في حديث عائشة قالت: جاءت هندٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالتْ: يا رسولَ الله، والله ما كان على ظهرِ الأرضِ أهلُ خباءٍ أحبُ إليَّ من أنْ يُذِلَّهم اللهُ من أهلِ خبائِك، وما على ظَهرِ الأرضِ أهلُ خباءٍ أحبُّ إليَّ من أنْ يُعِزَّهم اللهُ من أهلِ خبائِك، فقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وأيضا والذي نفسي بيده" (٢).

وموضعُ الشاهدِ في قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "وأيضًا، والذي نفسي بيدِه" فمعناه: وستزيدين من ذلك، ويتمكنُ الإيمانُ من قلبِك، ويزيدُ حبُّكِ للهِ ولرسولِه -صلى الله عليه وسلم-، ويَقْوَى رجوعُك عن بغضِه، وأصلُ هذه اللفظةِ آضَ يئيضُ أيضًا إذا رَجَعَ. (٣)

وهذا فيه مدحٌ لأمِّه، وأما موضعُ المُدحَةِ لمعاويةَ ففي قولِ: "وأيضًا والذي نفسي بيده" وهو أنَّه كان يودُّ أنَّ هندًا وأهلَها وكلَّ كافرٍ يُذَلُّوا في حالِ كفرِهم، فلما أسلموا كان يحبُّ أن يُعَزُّوا فأعزهم اللهُ -يعنى أهل خبائها-. (٤)


(١) أخرجه مسلم (١٤٨٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٢٥)، ومسلم (١٧١٤).
(٣) شرح مسلم للنووي (١٢/ ٩).
(٤) البداية، والنهاية (٨/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>