للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبه، وكذلك اليسر بتفريج الكرب، وإزالة الغموم والهموم أشبه.

فإطلاق الوزر من باب الاستعارة التصريحية كما هو معلوم. وفي قراءة ابن مسعود وحللنا عنك وقرك، والوقر: الحمل، وهذه القراءة تؤيد ما قررناه (١).

فالوزرة ما كان يجده النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصعوبات الشديدة التي كان يضعها المشركون في سبيل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وجحدهم الشديد، وعدم الإصغاء إلى الحق الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهذا الأمر كان حملًا عظيمًا على عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كاد أن يهلك أسفًا على هداية قومه وعنادهم في أول الأمر، حتى قال له ربه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)} (الكهف: ٧) (٢).

[المعنى الثالث: هذه الآيات سيقت للمدح ولبيان منة الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا لبيان الذنب.]

هذا سياق يظهر منَّة الله عز وجل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبيان عظيم مكانته وفضله عند ربه عز وجل في الدنيا والآخرة، مما يؤكد أن ظاهر ما يطعن في عصمته غير مراد، وإنما هو في حقيقة الأمر من جملة ما يمدح به - صلى الله عليه وسلم -، وتأمل معي قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} إنها آية كريمة وردت بين منتين:

الأولى: شرح الصدر في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)} شرحًا حسيًا ومعنويًا، ليسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق جميعًا، وليكون موضع التجليات ومهبط الرحمات.

والثانية: رفع ذكره في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} رفعًا بلغت قمته في الشهادة التي لا يكون الشخص مسلمًا إلا إذا نطق بها، فضلًا عن قرن اسمه - صلى الله عليه وسلم - باسمه عز وجل في الآذان، والإقامة، والتشهد في الصلاة، وفي خطب الجمعة، والعيدين، وفي خطبة النكاح، وجعل الصلاة والتسليم عليه - صلى الله عليه وسلم - عبادة على المسلمين (٣).


(١) تفسير الطبري ١٥/ ٢٣٤.
(٢) رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ٢٠١: ١٩٢.
(٣) رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ١/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>