للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين (١).

وقال ابن حجر: والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه؛ وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنًا ووقوع ذلك من إمام المسلمين؛ ليكون أدعى لقبولهم؛ وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية. (٢)

الوجه التاسع: أنه لو أخفى حبها وعشقها لأبداه الله، لأن الله قال: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}، فلما لم يبده الله علم أنه لم يكن.

قال الشنقيطي: من أنواع البيان التي تضمّنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: : {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}؛ لأن جملة: {اللَّهُ مُبْدِيهِ} صلة الموصول الذي هو {مَا}، وقد قلنا في الترجمة المذكورة: فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأبداه الله، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش - رضي الله عنها -، حيث أوحى إليه ذلك، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة؛ لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله بقوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}، وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دلَّ عليه القرآن، وهو اللائق بجنابه - صلى الله عليه وسلم -، وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسّرين من أن ما أخفاه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - وأبداه الله وقوع زينب في قلبه ومحبّته لها، وهي تحت زيد، وأنها سمعته، قال: "سبحان مقلب القلوب" إلى آخر القصّة، كله لا صحة له، والدليل عليه أن الله لم يبدِ من ذلك شيئًا، مع أنه صرّح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) تفسير القرطبي ١٤/ ١٦٦.
(٢) فتح الباري (٨/ ٥٢٤) ونقله عنه الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي ثم قال معجبًا بما قرره الحافظ: فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه. اهـ من سبل الهدى والرشاد (١٠/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>