للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأن المنهي عن الشيء مأمور بتركه، فإن قيل: ما الدليل على أن قوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} يفيد العموم؟ قلنا: لأنه لا شيء من المأمورات إلا ويصح الاستثناء منه، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل.

والثاني: قوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)} [الأنبياء: ٢٦، ٢٧] فهذا صريح في براءتهم عن المعاصي وكونهم متوقفين في كل الأمور إلا بمقتضى الأمر والوحي.

والثالث: أنه تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في البشر بالمعصية ولو كانوا من العصاة لما حسن منهم ذلك الطعن.

الرابع: أنه تعالى حكى عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ومن كان كذلك امتنع صدور المعصية منه. (١)

وعلى هذا الأصل نجيب على الاعتراضات واحدًا واحدًا.

[وأولها: الغيبة لآدم - عليه السلام -، نقول وبالله تعالى التوفيق]

١ - إن محل الإشكال في خلق بني آدم إقدامهم على الفساد والقتل، ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال لا لغيره، فلهذا السبب ذكروا من بني آدم هاتين الصفتين وما ذكروا منهم عبادتهم وتوحيدهم؛ لأن ذلك ليس محل الإشكال (٢).

٢ - ولأن ذلك العالم ليس عالم تكليف، ولأنه لا غيبة في مَشُورة ونحوها كالخِطبة والتجريح؛ لتوقف المصلحة على ذكر ما في المستشارِ في شأنه من النقائص، ورجحان تلك المصلحة على مفسدة ذكر أحدٍ بما يَكْره، ولأن الموصوف بذلك غيرُ معين إذ الحكم على النوع، فانتفى جميع ما يترتب على الغيبة من المفاسد في واقعة الحال فلذلك لم يحجم عنها الملائكة (٣).


(١) التفسير الكبير للرازي (٢/ ١٥٣) بتصرف يسير.
(٢) الرازي (٢/ ١٥٦).
(٣) التحرير والتنوير (١/ ٣٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>