لم يذكر مكر الله في أي آية إلا صفة فعل مقابل لما يفعله أهل الضلال، ولم تذكر الصفة مفردة، ومن أجل ذلك لا تطلق الصفة إلا مقارنة بالكفار كما ذكرت في القرآن، ولا يتخذ منها اسمًا أو صفة مستقلة. ولنأخذ مثالا على ذلك:
قال البغوي: قوله تعالى: (وَمَكَرُوا) يعني كفار بني إسرائيل الذي أحس عيسى منهم الكفر، وبَرُّوا في قتل عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام -، وذلك أن عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - بعد إخراج قومه إياه وأمه عاد إليهم مع الحواريين، وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله، وتواطؤوا على الفتك به فذلك مكرهم قال الله تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فالمكر من المخلوقين: الخبث والخديعة والحيلة، والمكر من الله: استدراج العبد وأخذه بغتة من حيث لا يعلم كما قال: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}[الأعراف: ١٨٢]، وقال الزجاج: مكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- مجازاتهم على مكرهم فسمي الجزاء باسم الابتداء؛ لأنه في مقابلته كقوله تعالى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}[البقرة: ١٥]{وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢] ومكر الله تعالى خاصة بهم في هذه الآية، وهو إلقاؤه الشَبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام - حتى قتل. (١)