للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغتابن عنده أحدًا ولا تطلبن عثرته وإن زل قبلت معذرته وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله وإن كان له حاجه سبقت القوم إلى خدمته". (١)

ولقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في تحقيق هذا الحق والأدب، منها قول الشافعي - رضي الله عنه -: "كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحًا رقيقًا هيبة له لئلا يسمع وقعها". وقبل ذلك ما كان يفعله الصحابة - رضي الله عنه - مع بعضهم البعض.

الحق الثاني: كف ألسنتنا عن الوقوع فيهم: الجناية على العلماء خرق في الدين، فمن ثم قال الطحاوي في عقيدته: (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل). قال ابن المبارك: (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته). وقال أبو سنان الأسدي: إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس، متى يفلح؟ ! .، وقال الإمام أحمد بن الأذرعي: الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب. (٢)

وقال ابن عساكر: اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النور: ٦٣]. والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم يستجلبون لها بفعلتهم الشنيعة أخبث الأوصاف {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)} [الحجرات: ١١]. وهم مفسدون في الأرض، وقد قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)} [يونس: ٨١]. وهم عرضة لحرب الله تعالى،


(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (١/ ١٢٩).
(٢) انظر: حرمة أهل العلم لمحمد بن إسماعيل المقدم (ص - ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>