للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا التحقيق تبين أن المراد بالغرفة هي منزلة علية رفيعة في الجنة، وهي من أعلى منازل الجنة وأفضلها، والحكمة من ذلك هي: كما أن الغرفة أكرم شيء فيما اعتاد الناس في البيوت في هذه الأرض فيستقبلون فيها الأضياف، فكذلك لعباد الرحمن أولئك الكرام الذين سبقت صفاتهم وسماتهم يستقبلون في أعلى المنازل وأشرفها.

[الوجه الثالث: بيان الحكمة في الجمع والإفراد في الآيتين.]

الحكمة في الجمع: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} لأنها رتبت على الإيمان والعمل الصالح ولا خفاء في تفاوت الناس فيهما وعلى ذلك تتفاوت الأجزية.

الحكمة في الإفراد هنا: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} رتبت على مجموع الأوصاف الكاملة فلذا جيء بالواحد دلالة على أن الغرف لا تتفاوت (١).

الوجه الرابع: بيان أن قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} تقرأ {وَهمْ فِي الغرفة آمِنُونَ} فلا تعارض.

قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: ٣٧] قرأها حمزة وحده (الغرفة) على الإفراد والوجه، وأن المراد بالغرفة هنا الجنس والكثرة فهو جمع في المعنى وإن كان بلفظ الواحد كما قال تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ}، وقرأها الباقون بالجمع (في الغرفات)، والوجه أن الغرفات جمع غرفة، وإنما جاءت على لفظ الجمع لأن المعنى على الجمع. وإذا كانت الكلمة في حال الوحدة يراد بها الجمع، كان الأولى بها أن تكون بلفظ الجمع لتوافق المراد لفظًا ومعنىً، قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: ٢٠]، وقال تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} [العنكبوت: ٥٨]، فجاء بها على الجمع (٢).

قلت: وعلى قراءة الجمهور بالجمع فيحمل على ما ذكرنا من الوجوه المتقدمة.

* * * *


(١) روح المعاني (١٩/ ٥٣).
(٢) الموضح في وجوه القراءات وعللها (٣/ ١٠٥٦)، ويراجع التيسير لأبي عمرو الداني (١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>