(١) يستفاد من الحديث حرمة الغيبة [والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم- لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر، قال: "ائذنوا له؛ بئس أخو العشيرة"، وكقوله لفاطمة بنت قيس -وقد خطبها معاوية وأبو الجهم-: "أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه"، وكذا ما جرى مجرى ذلك. ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد؛ ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت؛ كما قال تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} أي: كما تكرهون هذا طبعًا، فاكرهوا ذأك شرعًا؛ فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها؛ انظر: تفسير ابن كثير (٧/ ٣٨٠). ٢ - ويستفاد منه أن حرمتها شديدة كبيرة، والمعنى أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال نزرة خلطت بها؛ قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}؛ فيض القدير (٥/ ٤١١). ٣ - ومنها أن من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مطاطيًا رأسه أو غير ذلك من الهيئات؛ فيض القدير (٥/ ٤١١). ٤ - ومنها أن الغيبة المحرمة هي أن يكون في الإنسان ما يقوله القائل؛ لأن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشار في الناس، حتى لا يسلم منها إلا القليلُ من الناس؛ وهي ذكرك الإنسان بما يكره ولو بما فيه سواءً كان في دينه، أو بدنه، أو نفسه، أو خلقه، أوماله، أو ولده، أو والده، أو زوجته، أو خادمه، أو عما مته، أو ثوبه، أو مشيته، أو حركته، أو بشاشته، أو خلاعته، أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواءً ذكرته بلفظك، أو بكتابك، أو رمزت إليه بعينك أو يدك أو =