تركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على حالتهم هذه حتى ماتوا؛ وذلك لأنهم فعلوا أشياءً كما قال أبو قلابة - رضي الله عنه -: سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إسلامهم وحاربوا الله ورسوله، وسعوا في الأرض فسادًا وخوفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أنس: إنما سمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء.
[الوجه الثاني: هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين]
قال النووي: هذا الحديث -حديث العرنيين- أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)} (المائدة: ٣٣، ٣٤).
قال ابن حجر: قال ابن بطال: ذهب البخاري إلى أن آية المحاربة نزلت في أهل الكفر والردة، وساق حديث العرنيين وليس فيه تصريح بذلك، وممن قال ذلك: الحسن، وعطاء، والضحاك، والزهري، قال: وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد، ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين، ثم قال: ليس هذا منافيًا للقول الأول؛ لأنها وإن نزلت في العرنيين بأعيانهم لكن لفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد.
قلت -ابن حجر-: بل هما متغايران والمرجع إلى تفسير المراد بالمحاربة فمن حملها على الكفر خص الآية بأهل الكفر ومن حملها على المعصية عمم، والمعتمد أن الآية نزلت أولًا: فيهم وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق لكن عقوبة الفريقين مختلف فإن كانوا كفارًا: يخير الإمام فيهم إذا ظفر بهم. وإن كانوا مسلمين فعلى قولين:
أحدهما: وهو قول الشافعي والكوفيين ينظر في الجناية فمن قَتل قُتل، ومن أخذ المال قُطع، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالًا نفي. وجعلوا أو للتنويع.