للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد ما كان معنًى لهذا الانتظار، فإن الانتظار في ذاته شاق وتعلقه بمهمات الأمور يجعله أشق خصوصًا على رجل عظيم يتحدى قومه بل تحدى العالم كله. (١)

ولبيان هذا الوجه نمثل بأمثلة:

[أولها: تحويل القبلة]

لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرق شوقًا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة إلى البيت الحرام، ولكن رب القرآن لم ينزل في هذا التحويل قرآنًا، على الرغم من تلهف رسوله الكريم إليه إلا بعد قرابة عام ونصف العام (٢).

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. . .) (٣).

ولو كان الوحي من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما تأخر كل هذه المدة لشيء يحبه ويشتهيه ويتشوف إليه ويتحرق شوقا له، ولكنه وحي الله ولا ينزل إلا بأمر الله وإذنه.

[ثانيها: حادث الإفك]

وهو من أخطر الأحداث وأشنعها، لم ينزل القرآن فيه إلا بعد أن مضى على الحادث قرابة أربعين يومًا على حين أنه يتصل بعِرِض الرسول وعِرِض صديقه الأول أبي بكر، وقام على اتهام أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق ورميها بأقذر العار، وهو عار الزنى فلو كان القرآن كلام محمد، ما بخل على نفسه بتلك الآيات التي تنقذ سمعته وسمعة زوجه الحَصَان الطاهرة، ولما انتظر يومًا واحدًا في القضاء على هذه الوشايات الحقيرة الآثمة التي تولى كبرها أعداء الله المنافقون، اقرأ قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ


(١) مناهل العرفان ٢/ ٢٨٥.
(٢) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن (٥٦).
(٣) البخاري (٣٩٠)، ومسلم (٥٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>