للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخيال والمعصوم من عصمه الله.

وعَنْ أَبِي المَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: "لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ؛ وَيَقُولُ: بِقُوَّتي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ الله؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ" (١).

قال ابن كثير: فيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِبَ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغَلَبَ، وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكر لي أن الشيطان أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس (٢).

[الوجه السادس: عداوة الشيطان للإنسان.]

إن الله عزَّ وجل لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود إليه وكان الشيطان معهم، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا الشيطان، فإنه تكبَّر على طاعة الله، وأنِفَ أن يسجد لآدم، فأهبطه الله إلى الأرض، وأدخل آدم وزوجته الجنة، فمن هنا بدأت العداوة بين الشيطان وبين آدم وبنيه، وأصبح يفكر في كل مدخل يدخل به عليهم، كي يُدخلهم معه النار؛ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].

وقال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ


(١) أبو داود (٤٩٨٢)، مسند أحمد (٥/ ٥٩)، وصححه الألباني في الجامع الصغير (١٣٣٥٨).
(٢) ابن كثير (٤/ ٨٠١: ٨٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>