للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول النصارى: إن مريم ولدت إلها وأن المسيح وهو اسم يجمع اللاهوت والناسوت عند جماعتهم لا يشكون في ذلك مات بالجسد وأن الله لم يمت والذي قد ولدته مريم قد مات بجوهر ناسوته فكيف يكون ميت لم يمت.

وإذا كانوا قد اعترفوا بأن مريم ولدت الله وأن الذي ولدته مريم وهو المسيح الاسم الجامع للجوهرين للاهوت والناسوت قد مات فهل وقعت الولادة والموت وسائر الأفعال التي تحكي النصارى أنَّها فعلت بالمسيح إلا عليهما، فكيف يصح لذي عقل عبادة مولود من امرأة بشرية قد مات ونالته العلل وآلافات.

وقانون الإيمان عندهم الذي أجمعوا عليه هو: أنَّ الرب المسيح الذي هذه صفته على ما اقتصصناه منها الإله الحق من الإله الحق نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانًا وحبل به وولد من مريم البتول وتألم وصلب.

في هذا الإقرار شبهة أو علقة يتعلق بها العنت المدافع عن الحجة فتدبروا هذا القول يا معشر النصارى فإنه لا يمكن أحد منكم أن يخرج عنه ولا أن يدفع ما صرح به فإنكم إن قلتم إن المقتول المصلوب هو الله فمريم على قولكم ولدت الله سبحانه وتعالى عما يقولون وإن قلتم إنه إنسان فمريم ولدت إنسانًا وفي ذلك أجمع بطلان شريعة إيمانكم فاختاروا أي القولين شئتم فإن فيه نقض الدين.

[الوجه الخامس: هل يعقل أن يولد الإله من بشر، ويعيش مثل البشر يعتريه الآفات والأوجاع؟]

وقد يجب على ذوي العقول أن تزجرهم عقولهم عن عبادة إله ولدته مريم وهي امرأة آدمية ثم مكث على الأرض ثلاثين سنة تجري عليه أحكام الآدميين من غذاء وتربية وصحة وسقم وخوف وأمن وتعلم وتعليم لا يتهيأ لكم أن تدعوا أنه كان منه في تلك المدة من أسباب اللاهوتية شيء ولا له من أحوال الآدميين كلها من حاجتهم وضروراتهم وهمومهم ومحنهم وتصرفاتهم مخرج ثم أحدث بعد هذه المدة الطويلة ما أحدثه من إظهار أمر الله تعالى. (١)


(١) الجواب الصحيح ٤/ ٣٠: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>