للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ملحقات هذه الشبهة]

وقد أثار المعترضون شبهات تلحق بما ذكرنا وهي لفظ: وهو خادعهم، يستهزئ بهم، وأكيد كيدا، ونحوها:

الله مخادع يخدع الناس: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢].

عن الزبير بن العوام أنه كانتئ عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت، فقال: ما لها خدعتني خدعها الله ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال سبق الكتاب أجله اخطبها إلى نفسها. (١)

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أنَّنا ذكرنا في جواب شبهة المكر أن الفعل - سواء كان المكر أو الخداع أو الكيد - من العبد له معنى مذموم، وهو خداع أهل الخير لإيقاعهم في شر.

ومعنى محمود: وهو استدراج العدو حتى يقع هو فيما يخدع به غيره من غير خيانة له.

وذكرنا أنه من الله تعالى: محمود مطلقًا: لأن العبد من خلق الله تعالى وهو سبحانه أعلم بحقيقة عبده، وما يريد أن يفعله قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فهو سبحانه يعلم بخداعه وقد جعل الله لمن خادع أو مكر بمؤمن أن خداعة لا يرجع إلا على نفسه كما قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر: من الآية ٤٣).

فهناك مكر سيئ، وهناك مكر محمود، فالسيئ لا يضر إلا بأهله، والمكر المحمود يعود نفعه على كل الناس.


(١) أخرجه ابن ماجة (٢٠٢٦) من طريق قبيصة بن عقبة. حدثنا سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير بن العوام، وأخرجه إسحاق في مسنده (٢٢٣٦) من طريق وكيع، والبيهقي ٢/ ٤٢١ من طريق عبيد الله الأشجعي، كلاهما وكيع والأشجعي عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن أم كلثوم، وأخرجه الحاكم ٢/ ٢٠٩ من طريق عبد الملك بن أبي القاسم عن أم كلثوم.
فالحديث صحيح من مسند أم كلثوم، وقد صححه الألباني كما في الإرواء (٢١١٧) بمتابعة الأشجعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>