الأعراض ليس في هذا قلب جنس إلى جنس، ولا في هذا ما يختص الرب بالقدرة عليه ولا ما تختص به الملائكة، وكذلك إحضار ما يحضر من طعام أو نفقة أو ثياب أو غير ذلك من الغيب، وهذا إنما هو نقل مال من مكان إلى مكان وهذا تفعله الإنس والجن، لكن الجن تفعله والناس لا يبصرون ذلك، وهذا بخلاف كون الماء القليل نفسه يفيض حتى يصير كثيرًا بأن ينبع من بين الأصابع من غير زيادة يُزادها فهذا لا يقدر عليه إنسي ولا جني. (١)
معرفة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أمورًا غيبية من لدن الله:
قال ابن تيمية: فهذا غيب الرب الذي اختص به الرسول؛ مثل علم الرسول بما سيكون من تفصيل الأمور الكبار على وجه الصدق فإن هذا لا يقدر عليه إلا الله، والجن غايتها أن تخبر ببعض الأمور المستقبلة؛ كالذي يسترقه الجن من السماء مع ما في الجن من الكذب فلا بد لهم من الكذب، والذي يخبرون به هو مما يعلم بالمنامات وغير المنامات فهو من جنس المعتاد للناس، وأما ما يخبر به الرسول من الأمور البعيدة الكبيرة مفصلًا مثل إخباره إنكم تقاتلون الترك صغار الأعين، ذلف الأنوف، ينتعلون الشعر، كأن وجوههم المجانُّ المطرقة، وقوله: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، ونحو ذلك فهذا لا يقدر عليه جني ولا إنسي، والمقصود أن ما يخبر به غيرُ النبي من الغيب معتاد معروف نظيره من الجن والإنس فهو من جنس المقدور لهم، وما يخبر به النبي خارج عن قدرة هؤلاء وهؤلاء؛ فهو من غيب الله الذي قال فيه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}.
قال: وكذلك الإخبار ببعض الأمور الغائبة مع الكذب في بعض الأخبار فهذا تفعله الجن كثيرًا مع الكهان وهو معتاد لهم مقدور. . . والكهان لا بد لهم من الكذب، والرب