للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخذ حقنة في العضل، فالحقنة فيها إبرة، ويكون الألم مثل لدغة البرغوث يحدث بمجرد ما تنفذ الإبرة من الجلد، وبعد ذلك لا تحس، إذن فمركز الإحساس في الإنسان هو الشعيرات الحسية المنبطحة على الجلد، بدليل أن ربنا أوضح أنه عندما يحترق الجلد يمتنع الإحساس، فأنا أبدل لهم الجلد ليستمر الإحساس {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} أي: صارت محترقة احتراقًا تامًا وتعطلت عن الإحساس بالألم، آتيهم بجلد آخر لأُديم عليهم العذاب؛ لأنه هو الذي سيوصل للنفس الواعية فتتألم، إذن فالآية مسَّت قضية علمية معملية، لو أن القرآن تعرض لها بصراحة وجاء بصورة في الإحساس تقول: يا بني آدم، محلُّ الإحساس عندكم الجلد، لما فهموا شيئًا، لكنه تركها لتنضج في العقول على مهل، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} فتكون علَّة التبديل للجلود التي أحرقت بجلود جديدة كي يدوم العذاب، ويُذَيِّلُ الحقُّ الآية بقوله:

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} والعزيز: هو الذي لا يُغلب، ولا تَقدر أن تحتاط من أنه يهزمك أبدًا، فقد يقول كافر: لقد تلذذنا بالمعصية مرة لمدة خمس دقائق، ومرة لمدة ساعتين فما يضيرني أن يحترق جلدي وتنتهي المسألة؟ ! نقول له: لا، إن الذي يعذبك لا يُغلب فسوف يديم عليك العذاب بأن يبدل لك الجلد بجلد آخر، وسبحانه حكيم، فالمسألة ليست مسألة جبروت يستعمله، لا؛ هو يستعمل جبروته بعدالة (١).

[الوجه الثالث: الجانب الطبي حول مصدر الإحساس.]

وإذا انتقلنا من الجانب الشرعي إلى الجانب الطبي فنجد أنه قد تقرر عند الأطباء أن: النخاع الشوكي يتصل بالمخ عن طريق فتحة كبيرة في مؤخرة الجمجمة، ويقع النخاع الشوكي داخل قنوات في العمود الفقري، وأيضًا تحوطه طبقة من العظام (عظام الفقرات) والأغلفة الثلاثة، والسائل الشوكي، ويبلغ طوله حوالي ثلاثة وأربعين سنتيمترًا، وقطره


(١) تفسير الشعراوي ١/ ١٥٩٩ - ١٦٠٠، وانظر التحرير والتنوير ٤/ ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>