{وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} وقوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} أي إن لم تقدروا على الماء. (١)
[الوجه الثاني: معنى حرف الجر (في).]
حروف الجر ينوب بعضها عن بعض:
فمن المعروف عند علماء اللغة أن هناك توسعًا في استعمال حروف الجر، بحيث يؤدي هذا الحرف معاني غيره من الحروف الأخرى، ولنأخذ مثالًا على ذلك، فحرف الجر الذي معنا في هذه الآية وهو (في) لنرى ماذا يقول النحاة في استعمالاته:
قال ابن هشام: (في) حرف جر، له عشرة معاني:
١ - الظرفية: وهي إما مكانية أو زمانية وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)} [الروم: ١ - ٤].
أو مجازية: نحو {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، ومن المكانية (أدخلت الخاتم في إصبعي، والقلنسوة في رأسي).
٢ - المصاحبة، نحو قوله تعالى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أي معهم.
٣ - التعليل، نحو قوله تعالى {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} وقال - صلى الله عليه وسلم - "إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها". أي بسبب.
٤ - الاستعلاء، نحو قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.
٥ - مرادفة الباء: كقول الشاعر:
ويركب يوم الروع منا فوارس ... يصيرون في طعن الأباهر والكلى
والشاهد قوله: يصيرون في طعن، حيث جاءت (في) بمعنى الباء.
٦ - مرادفة (إلى) نحو قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي: مد الكفار أيديهم إلى أفواه الرسل ليمنعوهم من الدعوة إلى الهدى والنور.
(١) تاج العروس للزبيدي (١/ ٢٣١٩).