للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم وهذه حجة من آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان (١).

٤ - حد الإكراه: يجب ههنا بيان الإكراه الذي عنده يجوز التلفظ بكلمة الكفر؛ وهو أن يعذبه بعذاب لا طاقة له به مثل التخويف بالقتل، ومثل الضرب الشديد والإيلامات القوية. قال مجاهد: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وخباب، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية. أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأُخذ الآخرون وأُلبسوا دروع الحديد، ثم أُجلسوا في الشمس فبلغ منهم الجهد بِحَرِّ الحديد والشمس، وأتاهم أبو جهل يشتمهم ويوبخهم ويشتم سمية، ثم طعن الحربة في فرجها. وقال الآخرون: ما نالوا منهم غير بلال؛ فإنهم جعلوا يعذبونه فيقول: أحد أحد، حتى ملوا، فكتفوه وجعلوا في عنقه حبلًا من ليف ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به حتى ملوه فتركوه. قال عمار: كلنا تكلم بالذي أرادوا غير بلال، فهانت عليه نفسه فتركوه. قال خباب: لقد أوقدوا لي نارًا ما أطفأها إلا ودك ظهري (٢).

[الوجه الثالث: الحكمة من جواز التلفظ بالكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.]

يقول المعترض: إن هذا تعليم فاسد، وهل يرضى الله أن يشرك به باللسان، وكيف يزور الإنسان في عقيدته من أجل إرضاء الناس؟

وللإجابة عن ذلك نقول وبالله تعالى التوفيق والسداد:

وإنما أجاز الإسلام هذا الأمر من باب دفع الضرر عن أبنائه، والمحافظة عليهم، والإبقاء على حياتهم، وليس معناه أن من فعله أو أخذ بالرخصة أنه قد كره الإسلام أو أنكر الحق الذي يعتقده، وإنما هذا من باب ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما، وليست العبرة فقط بما يقوله اللسان، فكم من منافق كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلن الشهادتين بل ويصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وهو من ألد أعداء هذا الدين، حيث كان يبطن في قلبه الكفر والبغض للإسلام ونبي الإسلام، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل منهم ظاهرهم ويكل باطنهم إلى الله تعالى، ومن سمات الإسلام الواضحة والظاهرة لكل ذي عينين أنه


(١) تفسير القرطبي (١٠/ ١٦٠).
(٢) تفسير الرازي (٢٠/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>