للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: كل رواية أحادية تخالف المتواتر من القرآن لا تقبل، ويضرب بها عرض الحائط، وعلى فرض التسليم بأن أُبَيًّا كان يرى أن القنوت من القرآن، وأنه استمر على ذلك الرأي، فليس ذلك بِمطعنٍ في صحة نقل القرآن، فإنه على هذا الفرض كان منفردًا بذلك الرأي، ويدل على ذلك عدم إثباته في مصحف أبي بكر، ولا في مصاحف عثمان، إذ كانت كتابة القرآن في عهد أبي بكر في غاية الدقة والالتزام، بحيث لم تقبل قراءة إلا بشاهدين، فلما كانت قراءته فردية لم تقبلْ، كما رُدَّت قراءة عمر في آية الرجم. فلو سلَّمنا أن أُبَيًّا ظنَّ دعاء القنوت قرآنًا، فأثبته في مصحفه، فإن ذلك لا يطعن في تواتر القرآن؛ لأنه انفرد به، وقد حصل الإجماع على ما بين الدفتين وتواتره، فلا يضر بعد ذلك مخالفة من خالف (١).

الوجه السادس: إنهما قد نسختا.

قال الزركشي: النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب: الأول: ما نسخ في تلاوته وبقي حكمه فيعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول، ذكر الإمام المحدث أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتابه الناسخ والمنسوخ مما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه: سورتا القنوت في الوتر. قال: ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبي بن كعب، وأنه ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقرأه إياهما، وتسمى سورتي الخلع والحفد. وهنا سؤال وهو أن يقال: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهلا أبقيت التلاوة؛ ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ وأجاب صاحب الفنون فقال: إنما كان كذلك؛ ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي (٢).

الوجه السابع.

قال الزرقاني: والخلاصة أن بعض الصحابة الذين كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في مصحف أو مصاحف خاصة بهم ربما كتبوا فيها ما ليس بقرآن مما يكون تأويلًا لبعض ما


(١) انظر جمع القرآن شرعي أبو زيد ١٨٦.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>