للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس من القرآن قطعًا.

وذهب كثير من الأصوليين إلى أن التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله، وليس بشرط في محل وضعه وترتيبه؛ بل يكثر فيها نقل الآحاد. قيل: وهو الذي يقتضيه صنع الشافعي في إثبات البسملة من كل سورة. ورُدَّ هذا المذهب بأن الدليل السابق يقتضي التواتر في الجميع، ولأنه لو لم يُشترط لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر، وثبوت كثير مما ليس بقرآن، أما الأول: فلأنا لو لم نشترط التواتر في المحل جاز أن لا يتواتر كثير من المكررات الواقعة في القرآن، مثل {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] وأما الثاني: فلأنه إذا لم يتواتر بعض القرآن بحسب المحل جاز إثبات ذلك البعض في الموضع بنقل الآحاد (١).

وقال أبو بكر في الانتصار: ذهب قوم من الفقهاء والمتكلمين إلى إثبات قرآنٍ حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة، وكره ذلك أهل الحق، وامتنعوا منه. وقال قوم من المتكلمين: إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة، وأوجه، وأحرف، إذا كانت تلك الأوجه والأحرف صوابا في العربية، وإن لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بها، وأبى ذلك أهل الحق، وأنكروه، وخطئوا من قال به.

قال صاحب الانتصار ما نصه: إن كلام القنوت المروي أن أبي بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم الحجة بأنه قرآن منزل؛ بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآنا لنقل إلينا نقل القرآن وحصل العلم بصحته، ثم قال: ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآنا منزلا ثم نسخ وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن، ولم يصح ذلك عنه؛ إنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل، وهذا الدعاء هو القنوت الذي أخذ به السادة الحنفية. وبعضهم ذكر أن أُبَيًّا - رضي الله عنه - كتبه في مصحفه وسماه سورة الخلع والحفد؛ لورود مادة هاتين الكلمتين فيه، وقد عرفت توجيه ذلك (٢).


(١) الإتقان للسيوطي ١/ ٢٠٨ - ٢٠٩.
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٨٨، المدخل على دراسة القرآن الكريم (٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>