للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" (١).

قال النووي: هو سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَبْقَى مُنَازع، وَلَا مُعَانِد، وَنَحْوه، بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكفَّار وَزُعَمَاء المْشْرِكِينَ. قال العلماء: لم يقل ذلك فخرًا، بل صرح بنفي الفخر، إنما قال ذلك امتثالا لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى: ١١].

وهذا أيضًا مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ، وَيُوَقِّرُوهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ الله تَعَالَى، وَهَذَا الحدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْآدَمِيِّينَ أَفْضَل مِنْ المُلَائِكَة، وَهُوَ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَل الْآدَمِيَينَ وَغَيْرهُمْ (٢).

[الوجه الثالث: التبرك بالقذارات في الكتاب المقدس.]

ألم يرد في كتابك المقدس أن الرب أمر نبيه (حزقيال) بأكل الخراء وهو البراز: (وَتَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ) (حزقيال ٤/ ١٣).

ليس هذا فقط، بل انظر في (سفر إشعياء ٣٦/ ١٢) (فَقَالَ رَبْشَاقَى: "هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلَام؟ أَليْسَ إِلَى الرِّجَالِ الجالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتهمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟ ".

* * *


(١) مسلم (٢٢٧٨).
(٢) شرح النووي (٨/ ٤٢) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>