للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن لم يرده ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادته الشر (١).

فالعبد الموحد يشهد انفراد الرب بالخالق ونفوذ مشيئته وتعلق الموجودات بأسرها به وجريان حكمه على الخليقة وانتهاءها إلى ما سبق لها في علمه وجرى به قلمه ويشهد ذلك أمره ونهيه وثوابه وعقابه وارتباط الجزاء بالأعمال واقتضاءها له ارتباط المسببات بأسبابها التي جعلت أسبابًا مقتضية لها شرعًا وقدرًا وحكمة فشهوده توحيد الرب وانفراده بالخلق ونفوذ مشيئته وجريان قضائه وقدره يفتح له باب الاستعاذة ودوام الالتجاء إليه والافتقار إليه وذلك يدنيه من عتبة العبودية ويطرحه بالباب فقيرا عاجزًا مسكينًا لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وشهوده أمره تعالى ونهيه وثوابه وعقابه يوجب له الحمد والتشمير وبذل الوسمع والقيام بالأمر والرجوع على نفسه باللوم والاعتراف بالتقصير فيكون سيره بين شهود التقصير والإساءة منه وتطلب عيوب نفسه وأعمالها فهذا هو العبد الموفق المعان الملطوف به المصنوع له الذي أقيم مقام العبودية وضمن له التوفيق وهذا هو مشهد الرسل فهو مشهد أبيهم آدم إذ يقول: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ـ (٢).

حكمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- في التخلية بين العبد والذنب:

فالله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الحكيم الخبير يشهد له بالحكمة في تخليته بينه وبين الذَّنْب، وإقداره عليه وتهيئة أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله:

١ - أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم.

٢ - تعريفه العبد بحاجته إلى ربه، وأنه إن لم يحفظه ربه وهلك.


(١) طريق الهجرتين (١٥٢).
(٢) طريق الهجرتين وباب السعادتين (١٥٥: ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>