وليس للآية أيضًا علاقة بصفة اليد لله؛ وإنما معناها: أمام رحمته، أو قدام رحمته وهو الغيث.
قال ابن جرير: وأما قوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}؛ فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها، والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه: جاء بين يديه؛ لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يد له.
والرحمة التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع: المطر، فمعنى الكلام إذن: والله الذي يرسل الرياح لينا هبوبها، طيبا نسيمها أمام غيثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابا ثقالا، حتى إذا أقلتها، والإقلال بها: حملها كما يقال: استقل البعير بحمله وأقله: إذا حمله فقام به، ساقه الله لإحياء بلد ميت قد تعفت مزارعه، ودرست مشاربه، وأجدب أهله، فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات. (١)
وهكذا يفعل هؤلاء؛ يستدلون بالآيات ولا يعرفون وجه تفسيرها، ويجعلونها بمعنى واحد في كل السياق، وهذا ينم عن ضلال وانحراف.
[الوجه الرابع: التجسيم في الكتاب المقدس.]
لقد أتوا بآيات وأحاديث ووضعوها في غير موضعها، يعيبون على المسلمين التجسيم لله تعالى زعما منهم ذلك، ونسوا ما في كتابهم المقدس عندهم من صفة اليد التي ذكرناها.
منها كما جاء في المزامير:(لأن في يد الرب كأسا وخمرها مختمرة ملآنة شرابا ممزوجا وهو يسكب منها لكن عكرها يمصه يشربه كل أشرار الأرض (مز ٧٥: ٨).
فهل يعقل أن يكون بيد الرب خمرًا يسقي بها الناس، والخمر تذهب بالعقول، وتجعل الرجل يطأ أمه أو أخته أو بنته، ويفعل ما يغضب الرب؟ ! !