للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإعلام بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة وإحاطتهم بمحاسن شئونه المنيفة فهو تبكيت لهم على وجه أبلغ من أن يصرح باسمه. (١)

وقال ابن عاشور: أول أغراضها تحقيق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما يبلغه عن الله تعالى وأنه منزه عما ادعوه .. ، وقال أيضًا: واعلم أن تنزيهه - صلى الله عليه وسلم - عن النطق عن هوىً يقتضي التنزيه عن أن يفعل أو يحكم عن هوى، لأن التنزه عن النطق عن هوى أعظم مراتب الحكمة، ولذلك ورد في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه يمزح ولا يقول إلا حقًّا"، وهنا تم إبطال قولهم فحسن الوقف على قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (٢).

ويقول الخازن: ولا يلتفت إلى قول من قال إنه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل النّبوة على ملة قومه، فهداه الله إلى الإسلام، لأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الأنبياء قبله منذ ولدوا نشأوا على التّوحيد والإيمان قبل النّبوة وبعدها، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله تعالى وتوحيده، ويدل على ذلك أن قريشًا لما عابوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ورموه بكل عيب سوى الشّرك وأمر الجاهلية، فإنهم لم يجدوا لهم عليه سبيلًا، إذ لو كان فيه لما سكتوا عنه ولنقل ذلك، فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه وعيروه به، ويؤكد هذا قوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (٣).

[الوجه الثاني: سبب نزول هذه السورة التي منها هذه الآية.]

عن الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: اشْتكَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إني لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ ترَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. فَأَنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. (٤)


(١) "محاسن التأويل" (٩/ ٢٢٢).
(٢) التحرير والتنوير ٢٧/ ٨٨: ٩٣.
(٣) تفسير الخازن (٤/ ٤٣٨، ٤٣٩)، وانظر فصل عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الموسوعة المباركة.
(٤) البخاري (٤٩٥٠) في كتاب التفسير، باب قَوْلِه: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)}.

<<  <  ج: ص:  >  >>