للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا" (١).

بل نهى - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَاره وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ" قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ وفي رواية "لا أيْمُ الله لا تُصَاحِبُنَا رَاحِلَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ مِنَ الله" (٢).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَبْدَ المُلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ عَبْدُ المُلِكِ مِنَ اللَّيْلِ فَدَعَا خَادِمَهُ فَكَأنّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ. فَقَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٣).

[الوجه الثالث: بيان مراتب اللعن ومن يجوز لعنه ومن لا يجوز لعنه.]

اللعن إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم: واللعن عبارة عن الطرد والإبعاد من الله تعالى، وذلك غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده من الله عزَّ وجلَّ وهو الكفر والظلم، بأن يقول لعنة الله على الظالمين وعلى الكافرين، وينبغي أن يتبع فيه لفظ الشرع؛ فإن في اللعنة خطرًا، لأنه حكم على الله عزَّ وجلَّ بأنه قد أبعد الملعون وذلك غيب لا يطلع عليه غير الله تعالى، ويطلع عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أطلعه الله عليه.

والصفات المقتضية للعن ثلاثة: الكفر، والبدعة، والفسق. وللعن في كل واحد ثلاث مراتب.

الأولى: اللعن بالوصف الأعم كقولك لعنة الله على الكافرين والمبتدعين والفسقة.

الثانية: المن بأوصاف أخص منه كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى والمجوس وعلى القدرية والخوارج والروافض، أو على الزناة والظلمة وآكلي الربا، وكل ذلك جائز.


(١) مسلم (٦٧٧٣).
(٢) مسلم (٦٧٦٩).
(٣) مسلم (٦٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>