ولكن في لعن أوصاف المبتدعة خطر؛ لأن معرفة البدعة غامضة، ولم يرد لفظ مأثور؛ فينبغي أن يُمنع منه العوام؛ لأن ذلك يستدعي المعارضة بمثله، ويثير نزاعًا بين الناس وفسادًا.
الثالثة: اللعن للسثخص المعين وهذا فيه خطر كقولك: زيد لعنه الله، وهو كافر أو فاسق أو مبتدع، والتفصيل فيه أن كل شخص ثبتت لعنته شرعًا فتجوز لعنته كقولك. فرعون لعنه الله، وأبو جهل لعنه الله؛ لأنه قد ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعًا. وأما شخص بعينه في زماننا كقولك زيد لعنه الله، وهو يهودي مثلًا فهذا فيه خطر؛ فإنه ربما يسلم فيموت مقربًا عند الله فكيف يحكم بكونه ملعونًا؛ فإن قلت: يلعن لكونه كافرًا في الحال كما يقال للمسلم: رحمه الله، لكونه مسلمًا في الحال، وإن كان يتصور أن يرتد؟ فاعلم أن معنى قولنا رحمه الله: أي ثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة وعلى الطاعة، ولا يمكن أن يقال ثبت الله الكافر على ما هو سبب اللعنة، فإن هذا سؤال للكفر وهو في نفسه كفر، بل الجائز أن يقال: لعنه الله إن مات على الكفر، ولا لعنه الله إن مات على الإسلام. وذلك غيب لا يدرى، والمطلق متردد بين الجهتين ففيه خطر، وليس في ترك اللعن خطر.
وإذا عرفت هذا في الكافر فهو في زيد الفاسق أو زيد المبتدع أولى، فلعن الأعيان فيه خطر، لأن الأعيان تتقلب في الأحوال إلا من أعلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يجوز أن يعلم من يموت على الكفر، ولذلك عين قومًا باللعن فكان يقول في دعائه على قريش "اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وذكر جماعة قتلوا على الكفر، حتى إن من لم يعلم عاقبته كان يلعنه فنهى عنه إذ روي: أنه كان يلعن الذي قتلوا أصحاب بئر معونة في قنوته شهرًا فنزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران: ١٢٨]، يعني أنهم ربما يسلمون فمن أين تعلم أنهم ملعونون؟ وكذلك من بان لنا موته على الكفر جاز لعنه، وجاز ذمه إن لم يكن فيه أذى على مسلم، فإن كان لم يجز.
علم مما تقدم أنه لا يجوز لعن كافر، ولا فاسق حي، وأن هذا خطر لما يتضمن من الرضا بموته على كفره أو فسوقه، ولا لعن ميت، لأن الخاتمة مجهولة لا تعرف إلا بوحي