للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: فإن طلقها هذا الزوج الثاني الذي نكحته فلا جناح عليهما، وعلى المطلق الأول {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} وحرف "إن" في لسان العرب: لِمَا يمكن وقوعه أو عدم وقوعه فأما ما يقع لازمًا فيقولون فيه: "فإذا"، فلما قال: فإن طلقها علم أن ذلك النكاح المتقدم نكاح يقع فيه الطلاق تارة ولا يقع أخرى، ونكاح المحلل يقع فيه الطلاق لازما أو غالبًا. (١)

قال ابن القيم: في قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}: أي فإن طلقها هذا الثاني فلا جناح عليهما وعلى الأول أن يرجع إليها بعقد جديد، فأتى بحرف "إن" الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يقيم، والتحليل لا يتمكن الزوج فيه من الأمرين بل يشرطون عليه أنه متى وطئها فهي طالق. (٢)

الوجه الرابع: أن التحليل لو كان جائزًا لدعى إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-:

كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرحم الناس بأمته وأحبهم لمياسر الأمور، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا فكان أبعد الناس منه (٣)، وقد جاءت امرأة رفاعه القرظي مرةً بعده مرةٍ كما سيأتي -إن شاء اللَّه- وهو يرى من حرصها على العود إلى الزوج الأول ما يرق القلب لحالها ويوجب إعانتها على مراجعة الأول إن كانت ممكنة، ومعلوم أن التحليل إذا لم يكن حرامًا فلا يخص من يتزوجها فيبيبت عندها ليلة ثم يفارقها، ولو أنه من قد كان يستمتع -وقد كان- يمكن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقول لبعض المسلمين حلل هذه لزوجها، فلما لم يأمر هو ولا أحد من خلفائه بشيء من ذلك مع مسيس الحاجة إليه علم أن هذا لا سبيل إليه، ومن تأمل هذا المسلك وعَلِمَ كثرة وقوع الطلاق على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفائه وأنهم لم يأذنوا لأحد في تحليل - علم قطعًا أنه ليس من الدين؛ فإن المقتضى من الفعل إذا كان قائمًا وجب وجوده إلا أن يمنع منه


(١) السابق (٥٠٦).
(٢) إغاثة اللهفان (٢٧٨).
(٣) البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>