مؤنة السكنى، فالنساء والصبيان في السكنى تبع وأجرة السكنى على من هو الأصل دون التبع، ولكن الأول أصح، فإنه لا تؤخذ الجزية من الأعمى، والشيخ الفاني، والمعتوه، والمقعد مع أنهم في السكنى أصل، ولكن لا يلزمه أصل النصرة ببدنه لو كان مسلمًا فكذلك لا يؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة. وعن أبي يوسف أن الأعمى والمقعد إذا كان صاحب مال ورأي يؤخذ منه؛ لأنه يقاتل برأيه، وإن كان لا يقاتل ببدنه لو كان مسلمًا، وعجزه لنقصان في بدنه ولا نقصان في ماله فيؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة، والفقير الذي لا يستطيع أن يعمل لا تؤخذ منه الجزية؛ لأن الجزية مال يؤخذ منه ولا مال له، والعاجز عن الأداء معذور شرعًا فيما هو حق العباد قال اللَّه تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، ففي الجزية أولى، وهذا؛ لأن الجزية صلة مالية وليست بدين واجب.
ألا ترى أنها سميت خراجًا في الشرع. والخراج اسم لما هو صلة قال اللَّه تعالى:{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا}(الكهف: ٩٤)، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}(المؤمنون: ٧٢)، والصلة المالية لا تكون إلا ممن يجد للمال، فأما من لا يجد يعان بالمال فكيف يؤخذ منه ولا خراج على رؤوس المماليك، لأنه خلف عن النصرة والمملوك لا يملك نصرة القتال في نفسه أن لو كان مسلمًا فلا يلزمه ما هو خلف عن النصرة ثم هو أعسر من الحر الذي لا يجد شيئًا؛ لأنه ليس من أهل الملك أصلًا ثم المملوك في السكنى تبع لمولاه. (١)
الوجه السابع: لم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيرًا تعجز عن دفعه الرجال.
فهو مرتبط على الأصح بالقدرة، والحالة، وقد كان ميسورًا، لم يتجاوز على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنويًا زمن الدولة الأموية.
فحين أرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معاذًا إلى اليمن أخذ من كل حالم منهم دينارًا، يقول معاذ: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا، أو تبيعة، ومن كل