للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع الخلق فكان الواجب أن لا يجزع ولا يهرب لما في ذلك من الحكمة وهم يذكرون من جزع الناسوت وهربه ودعائه ما يقتضي أن كل ما جرى عليه كان بغير اختياره. ويقول بعضهم مشيئتهما واحدة فكيف شاء ذلك وهرب مما يكرهه الناسوت بل لو يشاء اللاهوت ما يكرهه كانا متباينين وقد اتفقا على المكر بالعدو ولم يجزع الناسوت كما جرى ليوسف مع أخيه لما وافقه على أنه يحمل الصواع في رحله ويظهر أنه سارق لم يجزع أخوه لما ظهر الصواع في رحله كما جزع إخوته حيث لم يعلموا وكثير من الشطار العيارين يمسكون ويصلبون وهم ثابتون صابرون فما بال هذا يجزع الجزع العظيم الذي يصفون به المسيح وهو يقتضي غاية النقص العظيم مع دعواهم فيه الإلهية. (١)

[الوجه الثاني عشر: كيف يوقع الإله العقاب على الذي هو إله مثله؟]

تقولون: إن عيسى إله، فكيف يوقع الإله العقاب على الذي هو إله مثله، وهو جزء مثله؟ ، فالنصارى يعتقدون أن الصلب وقع على الناسوت فقط، وهم يقولون إن الناسوت في اللاهوت كالماء في اللبن، جوهران أصبح جوهرًا واحدًا، من يعقل هذا؟

إذا كان عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلهًا وقد صُلب ودُفن كما يقولون، فمن الذي أمسك السماوات من السقوط؟ والأرض أن تميد، ومن دبر شئون الخلق في هذه اللحظات التي غاب فيها الإله؟ (٢).

[الفصل الثامن: لماذا تأخر الصلب؟ وما هو حال الذين ماتوا قبل الصلب؟]

الوجه الأول: كيف يُترك الأنبياء في الجحيم في حبس الشيطان قرونًا عديدة حتى يأتي المسيح ليصلب؟

مناسبة بين الصلب الذي هو من أعظم الذنوب سواء صلبوا المسيح أو المشبه به وبين تخليص هؤلاء من الشيطان فإن الشيطان إن فعل ذلك بالذرية كان ظالما معتديًا والله -عَزَّ وَجَلَّ- قادر على منعه من ظلمهم بل وعلى عقوبته إذا لم ينته عن ظلمهم، فلماذا أخر منعه من ظلمهم إلى زمن المسيح وهو سبحانه ولي المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم وهم رسله الذين نصرهم على من عاداهم بل أهلك أعداءهم الذين هم جند الشيطان فكيف لا يمنع الشيطان بعد موتهم أن


(١) الجواب الصحيح ٤/ ٦١.
(٢) آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره (٣١٨: ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>