للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: وقع اختلاف بين المفسرين في المُنادي الذي ناداها من تحتها على قولين:

١ - إما أنه جبريل - عليه السلام - وقال بهذا القول: ابن عباس، وعمرو بن ميمون، والضحاك والسدي.

٢ - وإما أنه المسيح عيسى - عليه السلام - وقال بهذا القول: مجاهد، والحسن، وقتادة. والراجح والله أعلم أنه عيسى - عليه السلام - للآتي:

١ - لأنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل، فرده على الذي هو أقرب إليه أولى من رده على الذي هو أبعد منه، ألا ترى في سياق قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: {فَنَادَاهَا} نسقًا على ذلك من ذكر عيسى، والخبر عنه.

٢ - ولعلة أخرى وهي قوله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} ولم تشر إليه إلا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، والذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} وما أخبر الله عنه أنه قال لها: أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولًا من جبرائيل لكان خليقًا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينًا أن عيسى سينطق ويحتج عنها للقوم، وأمرًا منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله (١).

ثانيًا: ومما الغرابة في ذلك أن يكون عيسى هو المتكلم؟ "أليس الذي خلقه من غير أب قادر على أن ينطقه في المهد؟ ! أليس الله على كل شيء قدير؟

ثالثًا: "في نطق عيسى - عليه السلام - معجزة ظاهرة قوية على أن أمه بريئة من الزنا؛ لأنه نطق أولى ما نطق بقوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} فهل يتصور أن يكون نبيًا من أم زانية؟ !

وفيه أيضًا: إشارة إلى أنه سيكون له شأنٌ آخر غير البشر الآخرين.

رابعًا: كلام المسيح في المهد جاء في (برنابا)، وفي إنجيل (الطفولية العربي) وجاء في تاريخ "يوسطيوس" (٢).

الوجه الثالث: معنى الصوم في الآية.


(١) تفسير الطبري (١٦/ ٦٩).
(٢) حقائق الإسلام (٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>