للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: أن تلاميذ ابن مسعود - رضي الله عنه - وبالأخص الأسود بن يزيد لم يوافقوه على رأيه هذا.]

عن إبراهيم النخعي قال: قلت للأسود: مِنَ القرآن هما؟ قال: نعم، يعني المعوذتين (١).

[الوجه الرابع: صحة ما أثر عن ابن مسعود، وتأويل مراده بذلك على أمور.]

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الله يَحك الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وقال: لَا تَخْلِطُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ (٢).

عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قُلْتُ لأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ في مُصْحَفِهِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني أَنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - قَالَ لَهُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} فَقُلْتُهَا. فَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فَقُلْتُهَا. فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣).

لكنه يحمل على أكمل أحواله - رضي الله عنه - من هذه الوجوه:

[الأول: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف.]

قال الحافظ: وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب (الانتصار) وتبعه عياض وغيره ما حُكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئًا إلا إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك. قال: فهذا تأويل منه وليس جحدًا لكونهما قرآنا. وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول: (أنهما ليستا من كتاب الله) نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور (٤).


(١) صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٦/ ١٤٦ قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم به.
(٢) صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٦/ ١٤٦، وعبد الله في زوائد المسند ٥/ ١٢٩، والطبراني في معجمه ٩/ ٢٣٤ من طرق عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد به، وإسناده صحيح.
(٣) حسن. أخرجه أحمد ٥/ ١٢٩ من طريق حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهدلة عن زر به. وأصله في صحيح البخاري كما سبق. وقد سبق حديث علقمة عن عبد الله أيضًا.
(٤) فتح الباري لابن حجر ٨/ ٦١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>