للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء - القدس - نص على حريتهم الدينية وحرمة معابدهم وشعائرهم: هذا ما أعطى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم. ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود كما رواه الطبري (١).

يقول العلامة الفرنسي غوستاف لوبون:

(رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفًا أن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته، وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوربا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر في تاريخ العرب، والعبارات الآتية التي اقتطفها من كتب الكثيرين منهم تثبت أن رأينا في هذه المسألة ليس خاصًّا بنا.

قال روبرتسن في كتابه "تاريخ شارلكن": إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم، وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وأنهم مع امتشاقهم الحسام نشرًا لدينهم تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسك بتعاليمهم الدينية) (٢).

حرية العمل والكسب: لغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.

فقد قرر الفقهاء أن أهل الذمة في البيوع، والتجارات، وسائر العقود والمعاملات المالية كالمسلمين، ولم يستثنوا من ذلك إلا عقد الربا، فإنه محرم عليهم كالمسلمين، وقد روي أن


(١) تاريخ الطبري ٣/ ٦٠٩.
(٢) حاشية من: صـ ١٢٨ من كتاب حضارة العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>