للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كان من أول ما امتن اللَّه به على من دعاهم لدينه، أن أطعمهم من بعد جوع، وآمنهم من بعد خوف: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)} (قريش: ٣ - ٤). (١)

[الحكمة من مشروعية الحدود]

قال ابن القيم: فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل، والجرح والقذف، والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن النظام والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه (٢).

وقال الشافعي: الحدود حيث شرعت، إنما شرعت لردع وزجر الغواة عن الإقدام على تلطخ فراش الغير واختلاط المياه والاضطراب واشتباه الأنساب على الآباء والأجدّاد والأولاد والأحفاد. (٣)

وقد قال ابن تيمية فيمن اقترف جرمًا: ولا يظن الظان أنه إذا حصل له استمتاع بمحرم يسكن بلاؤه، بل ذلك يوجب له انزعاجًا عظيمًا وزيادة في البلاء والمرض في المآل؛ فإنه وإن سكن بلاؤه وهدأ ما به عقيب استمتاعه أعقبه ذلك مرضًا عظيمًا عسيرًا لا يتخلص منه، بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء الذي


(١) المصدر السابق.
(٢) إعلام الموقعين (٢/ ٩٩ - ١٠٠).
(٣) مغيث الخلق في ترجيح القول الحق للجويني (٧٢ - ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>