يدعي البعض بأن الإسلام يصف كيد الشيطان بأنه ضعيف، ويصف كيد المرأة بأنه عظيم، الذين نظروا للمرأة على أنها أسوأ من الشيطان نفسه وأكثر شرًّا ودعوة إلى الفساد والإفساد، واستدلوا على ذلك بأن اللَّه قال عن كيد الشيطان إنه ضعيف، وعن كيد المرأة إنه عظيم.
والجواب على ذلك من هذا الوجه
[الوجه الأول: الفهم الصحيح لآيات الكيد.]
الواقع أن السياقين مختلفان: فالآية الأولى هي قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}(النساء: ٧٦).
أما علة هذا الضعف فترجع إلى أن اللَّه تعالى يكيد لأوليائه، أي: يدبر لهم أمورهم ويهيئ لهم خيرها، ويكيد أعداءه -وأولهم الشيطان- فيبطل كيدهم ومكرهم وعملهم، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)} (الطارق: ١٥، ١٦). وقال:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}(يوسف: ٧٦). فإذا قورن كيد اللَّه بكيد الشيطان المخذول الذي ليس له سلطان على الذين آمنوا - ثبت ضعف كيده وهوانه.
أما الآية الثانية: فسياقها وموضوعها مختلف، إذ إنها تصور موقف هروب يوسف -عليه السلام- من فتنة امرأة العزيز، وهي تطلبه؛ ليرجع ويفعل ما تأمره به، فإذا بهما أمام زوجها لدى الباب، فلم ترتبك ولم تتلجلج في هذا الموقف العصيب، بل على الفور قلبت الحقيقة وارتدت ثوب المرأة الفاضلة حين تشكو من يحاول إغراءها، فالكيد العظيم هنا هو سرعة الانتقال النفسي -في لحظة واحدة- من موقف من تطارد الرجل لموقف العفيفة المتأبية على الفتنة، وانتقال مشاعر بعض النساء من النقيض إلى النقيض في لمحة واحدة كان مما يستوقف الرجال ويثير عجبهم، يقول تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ