كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} (يوسف: ٢٨، ٢٩). فالموقف مختلف، وسياق الكلام فيه مختلف، ونوع الكيد مختلف، فلا يصح مقارنة الكيد هنا بالكيد هناك؛ لأنه إنما يعني هنا براعة انتقال المرأة وسرعتها بين المشاعر المختلفة، مما قد لا يستطيعه الرجل، ومن هنا جاءت عظمة الكيد، أما هناك فهو في مقابل كيد اللَّه -تعالى- لأولياوئه، ولا شيء من فعل المخلوقات إلا وهو ضعيف حقير في جنب اللَّه -تعالى- لأنَّ كيده تعالى متين كما قال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)} (الأعراف: ١٨٣).
يقول العقاد: جاء وصف الشتاء بالكيد في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، مرتين على لسان يوسف -عليه السلام-، ومرة على لسان العزيز، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)} (يوسف: ٣٣)، {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠)} (يوسف: ٥٠)، {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)} (يوسف: ٢٨).
والكيد صفة مذكورة في مواضع كثيرة من القرآن، بعضها منسوب إلى الإنسان، وبعضها منسوب إلى الشيطان، ومن الرجال الذين نسبت إليهم صالحون مؤمنون، ومنهم كفرة مفسدون، بل وردت وصفًا للَّه مع المقابلة بين الكيد الإلهي وكيد المخلوقات، وبغير مقابلة في آيات.
ويدخل في الكيد صفات كثيرة تمدح وتذم، وتطلب وتمنع، تشترك كلها في معاني التدبير والمعالجة والحيلة، وقد يجمع الحميد والذميم منها قولهم:"الحرب مكيدة" لأنها تدبير ومعالجة وحيلة تتطلبها مواقف القتال، وقد تذم أحيانًا في هذِه المواقف، كما تذم في سواها.