للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أثير من قبل السبئية وأعوانهم من الغوغاء، ولم يكن الإصلاح هدف طلحة والزبير وعائشة وحدهم، بل إن عليًا أيضًا لم ير في مسيره إليهم إلا الإصلاح وجمع الكلمة، وعلى العموم لم ير عليّ وطلحة والزبير وعائشة -رضوان اللَّه عليهم- أمرًا أمثل من الصلح وترك الحرب، فافترقوا على ذلك، وإنه لموقف رائع من طلحة والزبير -رضي اللَّه عنهما-، وهو لا يقل روعة عن موقف أمير المؤمنين علي -رضي اللَّه عنه- فكل منهم قبل الصلح ووافق عليه، وكل منهم كان يتورع أن يسفك دمًا أو يقتل مسلمًا.

ولا يمكن أن يفهم عاقل يقف على النصوص السابقة أن زعماء الفريقين هم الذين حركوا المعركة وأوقدوا نارها، وكيف يتأتى ذلك وكلا الطرفين كانت كلمة الصلح قد نزلت من نفوسهم وقلوبهم منزلًا حسنًا؟ ولكنهم قتلة عثمان أصحاب ابن سبأ -عليهم من اللَّه ما يستحقون- هم الذين أشعلوا فتيلها وأججوا نيرانها حتى يفلتوا من حد القصاص.

وقد يسأل سائل لماذا سمح علي -رضي اللَّه عنه- لأهل الفتنة بالبقاء معه في جيشه ولم يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة؟ !

[وجوابه]

١ - كان سبب إبقاء علي على أهل الفتنة في جيشه أنهم كانوا سادات في أقوامهم، فكان عليّ يرى أن يصبر عليهم إلى أن تستقر الأمور.

٢ - وقد أجاب عن ذلك الإمام الطحاوي في شرح العقيدة الطحاوية بقوله: وكان في عسكر عليّ -رضي اللَّه عنه- من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان، من لم يُعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله. (١)

٣ - وعلى كل حال كان موقف علي -رضي اللَّه عنه-، موقف المحتاط منهم، المتبرىء من فعلهم، وهو -وإن كان لم يخرجهم من عسكره- فقد كان يعاملهم بحذر وينظر إليهم بشزر، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه. (٢): بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام -يقصد مسيره لحرب صفين-، حيث دعا ولده محمد بن الحنفية وسلمه اللواء وجعل عبد


(١) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٤٨٣).
(٢) تاريخ الطبري (٣/ ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>