للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياة أبيه فهو لا يعلمه وهذا بعيد كل البعد عن سيرة المربين والمصلحين في أولادهم وإن كان بعد مماته فأي شيء يضره؟ .

قال ابن خلدون رحمه الله: ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلافته -لو صح-.

فإياك أن تظن بمعاوية - رضي الله عنه - أنه علم ذلك من يزيد، فإنه أعدل من ذلك وأفضل، بل كان يعذله أيام حياته في سماع الغناء وينهاه عنه، وهو أقل من ذلك، وكانت مذاهبهم فيه مختلفة. ولا حدث في يزيد ما حدث من الفسق اختلف الصحابة حينئذ في شأنه. فمنهم من رأى الخروج عليه ونقض بيعته من أجل ذلك، كما فعل الحسين وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ومن اتبعهما في ذلك، ومنهم من أباه لما فيه من إثارة الفتنة وكثرة القتل مع العجز عن الوفاء به لأن شوكة يزيد يومئذ هي عصابة بني أمية وجمهور أهل الحل والعقد من قريش، وتستتبع عصبية مضر أجمع، وهي أعظم من كل شوكة، ولا تطاق مقاومتهم، فأقصروا عن يزيد بسبب ذلك، وأقاموا على الدعاء بهدايته والراحة منه، وهذا كان شأن جمهور المسلمين. والكل مجتهدون ولا ينكر على أحد من الفريقين، فمقاصدهم في البر وتحري الحق معروفة وفقنا الله للاقتداء بهم. (١)

[الوجه التاسع: بطلان الروايات التي تقول: بأنه سكير يشرب الخمر.]

قال ابن كثير: وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغنا والصيد، واتخاذ الغلمان، والقيان، والكلاب، والنطاح بين الكباش، والدباب، والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورًا، وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه.

وقيل: إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته. وذكروا عنه غير ذلك والله أعلم بصحة ذلك. وقال عبد الرحمن بن أبي مدعور: حدثني بعض أهل العلم قال: آخر ما


(١) المقدمة لابن خلدون الفصل الثلاثون في ولاية العهد بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>