للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحريفات عنه (١).

قال ابن تيمية: ثم يقال للنصارى: فلو قدر أن المسيح نفس الكلام، فالكلام ليس بخالق؛ فإن القرآن كلام الله وليس بخالق، والتوراة كلام الله وليست بخالقة، وكلمات الله كثيرة وليس منها شيء خالق، فلو كان المسيح نفس الكلام لم يجز أن يكون خالقًا، فكيف وليس هو الكلام وإنما خلق بالكلمة وخص باسم الكلمة؟ فإنه لم يخلق على الوجه المعتاد الذي خلق عليه غيره؛ بل خرج عن العادة، فخلق بالكلمة من غير السنة المعروفة في البشر (٢).

الوجه الخامس: بيان معنى الروح في الآية (وَرُوحٌ مِنهُ).

[المعنى الأول: الروح بمعنى: النفخ.]

معنى قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} ونفخة منه؛ لأنه حدث عن نفخة جبريل - عليه السلام - في دِرْع مريم بأمر الله إياه بذلك، فنسب إلى أنه (روح من الله)؛ لأنه بأمره كان. قال: وإنما سمي النفخ {رُوحًا} لأنها ريح تخرج من الرُّوح، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول ذي الرمة في صفة نار نعتها:

فَلَمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُها، وَهْيَ طِفْلَةٌ بِطَلْسَاءَ لَمْ تَكْمُلْ ذِرَاعًا وَلا شِبْرَا

وَقُلْتُ لَهُ: ارْفَعْهَا إِلَيْكَ، وَأَحْيِهَا بِرُوحِكَ، وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرَا

وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ يَابِس الشَّخْتِ، وَاسْتَعِنْ عَلَيْهَا الصَّبَا، وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا

وَلمَّا تَنَمَّتْ تَأْكُلُ الرِّمَّ لَمْ تَدَعْ ذَوَابِلَ مِمَّا يَجْمَعُونَ ولا خُضْرَا

فَلَمَّا جَرَتْ في الْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ سَنَا البَرْقِ، أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرَا

وقالوا: يعني بقوله: أحيها بروحك؛ أي: أحيها بنفخك (٣).

المعنى الثاني: الروح بمعنى الرحمة.


(١) تفسير المنار (٣/ ٣٠٤).
(٢) الجواب الصحيح (٤/ ٦٧).
(٣) انظر ديوانه: ١٧٦، واللسان (روح)، الطبري في التفسير (٦/ ٣٥)، النكت والعيون (١/ ٥٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>