للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتأت له، وكان مقصرًا. والقرآن محتو عليها كلها فتلك عشرة كاملة، وهذه الوجوه العشرة تدل على أن القرآن في الدرجة العالية من البلاغة الخارجة عن العادة، يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم، وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان، وإحاطتهم بأساليب الكلام، ومن كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجاز القرآن. (١)

[حازت بلاغات القرآن من كل قسم من أقسام البلاغة حصة]

قال الخطابي: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق. والتحقيق: أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة؛ فمنها: البليغ الرصين الجزل. ومنها: الفصيح الغريب السهل. ومنها: الجائز الطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود، فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها.

فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الإنفراد في نعوتهما كالمتضادين؛ لأن العذوبة نتاج السهولة؛ والجزالة والمتانة يعالجان نوعًا من الزعورة (٢)؛ فكان اجتماع الأمرين في نظمه - مع نُبُوِّ كل واحد منهما عن الآخر - فضيلة خُصّ بها القرآن؛ ليكون آية بينة لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.

[سبب عدم إتيان البشر بمثل البلاغة في القرآن]

قال الخطابي: وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور:

منها: أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها، وارتباط بعضها ببعض،


(١) إظهار الحق ٢/ ٣٥.
(٢) هكذا وردت، ولعلها: الوعورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>