للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقًا، وَلَا مَسِسْتُ خَزَّةً وَلَا حَرِيرَةً ولا شيئًا كان أليَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً قط وَلَا عطرًا كان أَطْيَبَ من عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).

وقال ابن القيم: جمع النبي بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو إلى محبته (٢).

وهكذا تتجلى أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرحمة والسماحة والرأفة ومقابلة السيئة بالحسنة، إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة، وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. (٣)

ومعنى هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - قد ألزم نفسه ألا يفعل إلا ما أمره به القرآن، ولا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن، فصار امتثال أمر ربه خلقًا له وسجية - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الدين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: ٩)، فكانت أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أشرف الأخلاق وأكرمها وأبرها وأعظمها (٤).

[الوجه السادس: نزول الآيات ليس فيها إتيان دنب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.]

مع صحة سبب نزول الآيات، فليس فيها إتيان ذنب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل الآيات إعلام من الله تعالى لرسوله بأن ذلك المتصدي له ممن لا يتزكى وأن الصواب والأولى كان لو كشف له حيال الرجلين لاختار الإقبال على الأعمى، لأنه {جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى} والإعراض عن الكافر وتوهين أمره لأنه استغنى عن الإسلام بكفره {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى}، أي: ليس عليك بأس في ألا يتزكى بالإسلام، والمراد: لايبلغن بك الحرص على إسلامهم أن تعرض عمن أسلم بالاشتغال بدعوتهم، إن عليك إلا البلاغ.


(١) البخاري (٣٥٦١)، مسلم (٢٣٣٠).
(٢) الفوائد (١/ ٥٤).
(٣) مسلم (٧٤٦).
(٤) الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>