للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدم وإبراهيم ونوح وسائر النبيين عندهم، كانت في سجن إبليس في النار، حتى خلصها من سجنه بتمكينه أعداءه من صلبه. وأما قولهم في مريم؛ فإنهم يقولون: إنها أم المسيح ابن الله في الحقيقة، ووالدته في الحقيقة، لا أم لابن الله إلا هي، ولا والدة له غيرها، ولا أب لابنها إلا الله، ولا ولد له سواه، وأن الله اختارها لنفسه ولولادة ولده وابنه من بين سائر النساء، ولو كانت كسائر النساء لما ولدت إلا عن وطء الرجال لها، ولكن اختصت عن النساء بأنها حبلت بابن الله، وولدت ابنه الذي لا ابن له في الحقيقة غيره، ولا والد له سواه، وإنَّها على العرش جالسة عن يسار الرب تبارك وتعالى والد ابنها، وابنها عن يمينه. والنصارى يدعونها ويسألونها سعة الرزق، وصحة البدن، وطول العمر، ومغفرة الذنوب، وأن تكون لهم عند ابنها ووالده -الذي يعتقد عامتهم أنه زوجها، ولا ينكرون ذلك عليهم- سورًا وسندًا وذخرًا وشفيعًا وركنًا، ويقولون في دعائهم: يا والدة الإله اشفعي لنا، وهم يعظمونها، ويرفعونها على الملائكة، وعلى جميع النبيين والمرسلين، ويسألونها ما يسأل الإله من العافية، والرزق، والمغفرة، حتى إن اليعقوبية يقولون في مناجاتهم لها: يا مريم يا والدة الإله، كوني لنا سورًا، وسندًا، وذخرًا، وركنًا، والنسطورية يقولون: يا والدة المسيح كوني لنا كذلك! ويقولون لليعقوبية: لا تقولوا يا والدة الإله، وقولوا يا والدة المسيح، فقالت لهم اليعقوبية: المسيح عندنا، وعندكم إله في الحقيقة فأي فرق بيننا وبينكم في ذلك؟ ولكنكم أردتم مصالحة المسلمين ومقاربتهم في التوحيد. (١)

الدليل الثاني: يثبت أن عيسى مؤمن بالله معظم له: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأى عيسى بن مريم رجلًا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى آمنت بالله وكذبت عيني (٢).

وهذا الحديث فيه وجهان: أحدهما: قال القرطبي: ظاهر قول عيسى -عليه السلام- للرجل:


(١) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى تحت عنوان خرافة الفداء (١/ ١٤٠).
(٢) البخاري (٣٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>