للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستلزم ذلك سبق النكاح، والنكاح يستدعي باعثًا له على ذلك. والله سبحانه منزه عن جميع ذلك (١)، واتخاذ الولد نقص لاستدعائه محالين:

أحدهما: مماثلته للولد، وتمام حقيقته فيلزم إمكانه وحدوثه.

وثانيهما: استخلافه لخلف يقوم بأمره من بعده؛ إذ الغرض من التوالد بقاء النوع فيلزم زواله وفناؤه سبحانه؛ ولذا قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَال هَدًّا (٩٠)} [مريم: ٩٠]، والأحد: المنفرد المطلق ذاتًا وصفاتًا، وفرق بين الأحد والواحد؛ بأن الواحد لنفي مفتتح العدد، والأحد لنفي كل عدد، فالواحد ينبىء عن تفرد الذّات عن المثل والنظير، والأحد ينبىء عن تفردها عن كل نقص واتصافها بكلِّ كمال، فكيف مع ذلك يحتاج إلى الولد؟ والصمد هو الذي يحتاج إليه كل أحد وهو غني عنهم. (٢) فأي شتم لله تعالى أعظم من أن يقال: إن لله ولدًا؟ وأي شتم أعظم من أن يقال: إن رب السموات والأرض -تبارك وتعالى- نزل عن كرسي عظمته وعرشه، ودخل في فرج امرأة تأكل، وتشرب، وتبول، وتتغوط، وتحيض فالتحم ببطنها، وأقام هناك تسعة أشهر، يتلبط بين نجو، وبول، ودم طمث، ثم خرج إلى القماط والسري كلما بكي ألقمته أمه ثديها، ثم انتقل إلى المكتب بين الصبيان، ثم آل أمره إلى لطم اليهود خديه، وصفعهم قفاه، وبصقهم في وجهه، ووضعهم تاجا من الشوك على رأسه والقصبة في يده؛ استخفافًا به وانتهاكًا لحرمته. ثم قربوه من مركب خص بالبلاء راكبه، فشدوه عليه وربطوه بالحبال، وسمروا يديه ورجليه، وهو يصيح ويبكي ويستغيث من حر الحديد وألم الصلب؛ هذا وهو الذي خلق السموات والأرض، وقسم الأرزاق والآجال، ولكن اقتضت حكمته ورحمته أن يمكن أعداءه من نفسه لينالوا منه ما نالوا؛ فيستحقوا بذلك العذاب والسجن في الجحيم، ويفدى أنبياءه ورسله وأولياءه بنفسه؛ فيخرجهم من سجن إبليس؛ فإن روح


(١) فتح الباري (٨/ ١٦٨).
(٢) مرقاة المفاتيح كتاب الإيمان ١/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>