للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الْأنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صَلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُليَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". (١)

[الوجه الثاني: الفهم الصحيح للحديث.]

يبقى إشكال وهو قولهم: كيف يبتلى نبي من الأنبياء بالقمل؟

نقول: قوله: "وإن كان نبي من الأنبياء يبتلى بالقمل. ."، جاءت هذه اللفظة في حديث المسند، وفي إسناده رجل لم يُسم، وهو الراوي عن أبي سعيد، فيضعف الإسناد بذلك، وجاء في حديث المستدرك قوله: "ثم الصالحون كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ويبتلى بالقمل حتى تقتله. . ."، فلعل المقصود بذلك الصالحون فقط وليس الأنبياء.

[الوجه الثالث: هذا قدر الله عز وجل.]

لو ابتلي نبي من الأنبياء بذلك، أي بالقمل فلا إشكال في ذلك، فهذا ابتلاء من الله سبحانه، وإلا كان نوع الابتلاء، فإن الله عز وجل يبتلي من شاء من خلقه بما شاء من ابتلاءاته، ليختبرهم وليرفع بها درجاتهم، ولحكمة يعلمها رب الأرض والسماء، فلا يجوز لنا أن نعترض على حكم الله وقدره، ولا ينقص هذا من قدر الأنبياء، بل كما وضحنا في حديث الترمذي أن الابتلاء يأتي على قدر الإيمان، وأنه يبتلى الرء على قدر دينه.

وحكمة هذه الابتلاءات وضحها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث حيث قال: "يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر"، وفي الحديث الآخر، "إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. . .، ثم قال: ذلك أن لنا أجرين. ."، فكلما اشتد البلاء ارتفعت الأجور، وكلما اشتد البلاء دل على قوة الإيمان ورفعته.


(١) الترمذي (٢٣٩٨)، وقال: حسن صحيح، والدارمي (٢٧٨٣)، ابن حبان في صحيحه (٢٩٠٠)، الحاكم في المستدرك (١٢٠)، وصححه الألباني في الصحيحة (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>