للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم: وأما أمر سودة بالاحتجاب منه، فإما أن يكون على سبيل الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشبه البَيِّنُ بعتبة، وإما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالًا للدليلين، فإن الفراش دليلُ لحقوقِ النسبِ، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه، فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي لقوته، وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه؛ فهذا الزاني يثبت النسب منه بينه وبين الولد في التحريم والبعضية دون الميراث والنفقة وغيرها؛ وقد يختلف بعض أحكام النسب عنه مع نبوته لمانع، وهذا كثير في الشريعة فلا ينكر من تخلف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة، وهل هذا إلا محض الفقه. (١)

[الوجه الثالث: ما نقله ابن عبد البر عن المزني]

أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاب عن المسألة، فأعلمهم بالحكم أن هذا يكون إذا ادعى صاحب الفراش وصاحب زنًى (يعني عند ذلك يكون الولد للفراش)؛ فهذا حكم خرج على المسألة ليعرفهم كيف الحكم في مثلها إذا نزل، ولذلك قال لسودة "احتجبي منه" لأنه حكم على المسألة، فلما لم يصح دعوى سعد لأخيه، ولا دعوى عبد بن زمعة، ولا أقرت سودة أنه ابن أبيها؛ فيكون أخاها؛ منعه من رؤيتها، وأمرها بالاحتجاب منه، ولو ثبت أنه أخوها ما أمرها بالاحتجاب منه لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعِثَ بصلة الأرحام، وقال لعائشة في عمها من الرضاعة "إنه عمك فليلج عليك" (٢)، ويستحيل أن يأمر زوجة أن لا تحتجب من عمها من الرضاعة، ويأمر زوجة أخرى تحتجب من أخيها من أبيها (٣).

وقال الطبرى: معنى قوله "هو لك يا عبد بن زمعه" أي: هو لك عبدُ ملكٍ؛ لأنه ابن وليدة أبيك، وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد، وهذا أبطله ابن عبد البر (٤)، وابن


(١) زاد المعاد (٥/ ٤١٤).
(٢) رواه البخاري (٤٩٤١)، ومسلم (١٤٤٥).
(٣) التمهيد (٨/ ١٨٨، ١٨٩) بتصرف يسير.
(٤) التمهيد (٨/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>