للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصره من الأرض كما يظن أهل الجهل، ولا بد أن يلقى خط بصره من حدبة الأرض أو من نشز من أنشازها ما يمنع الخط من التماري، إلا أن يقول قائل إن تلك العين هي البحر فلا يجوز أن يسمى البحر في اللغة عينًا حمئة ولا حامية، وقد أخبر الله - عز وجل - أن الشمس تسبح في الفلك، وأنها إنما هي في الفلك سراج، وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يجوز أن يختلف أو يتناقض، فلو غابت في عين من الأرض كما يظن أهل الجهل أو في البحر لكانت الشمس قد زالت عن السماء وخرجت عن الفلك، وهذا هو الباطل المخالف لكلام الله - عز وجل - حقًا، نعوذ بالله من ذلك. (١) ولا سيما مع ما قام البرهان عليه أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض.

برهان آخر قاطع: وهو قول الله - عز وجل -: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وقرئ {حَامِيَةً}، {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس، ومن كان عند العين فهو في العين. (٢)

[الوجه السابع: آيات سورة (يس) تزيل الإشكال.]

ولا شك أن هذا الذي يدندن حول هذه الشبهة الواهية في سورة الكهف، قد قرأ سورة يس بحثًا عن شبهات أخرى، ولا ريب أنه وجد منها هذه الآيات الكريمات:

{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)} [يس: ٣٧ - ٤٠]، فليته أصغى السمع على هذا الكلام الذي يتنزل من عند الله الكريم، عن الليل والنهار والشمس والقمر والنظام الذي بثه الله في كل منها، فلا ريب أنه تلقى من هذه الآيات الجواب الشافي عن شبهته، وإنه لجواب مقنع حقًا لكل منصف.

ولكن آفة هذا العصر أن فيه من يحترف البحث عن المشكلات فإن لم يجدها اختلقها، ويحترف الفرار من حلولها وأجوبتها، فإن ووجه بها تصامم عنها أو تغابى عن فهمها،


(١) الفصل في الملل والنحل لابن حزم (١/ ٣٠٧) (قلت): وملخص هذا المعنى أن قوله {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} حال من صاحبها وهو ذو القرنين ويكون المعنى: وجدها تغرب حالة وجوده في العين الحمئة.
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>