للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول: نص الحديث.]

عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا أَبا ذَرٍّ، أتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قَالَ: قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ عِنْدَ رَبِّها، فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لها، فَيُوشِكُ أَنْ تَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤذَنُ لَهَا، حَتَّى تَسْتَشْفِعَ وَتَطْلُبَ، فَإِذَا طَالَ عَلَيْهَا قِيلَ لها: اطْلُعِي مِنْ مَكَانِكِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)}.

وفي لفظ آخر عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يومًا: "أتدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ". قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ تَجْرِى حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، وَلا تَزَالُ كَذَلِكَ؛ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيثُ جِئْتِ؛ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا؛ ثُمَّ تَجْرِى؛ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، وَلا تَزَالُ كَذَلِكَ؛ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ؛ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا؛ ثُمَّ تَجْرِى لا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا؛ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ؛ فَيُقالُ لَهَا ارْتَفِعِي؛ أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ؛ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا" (١).

[الوجه الثاني: أن هذا نوع من أنواع العبودية التي ذكرها العلماء وهي عبودية الكائنات.]

فالله سبحانه وتعالى قد خلق جميع الكائنات؛ إنسها، وجنها، وملائكتها، وحيوانها، وجمادها، ونباتها، وغيرها من الكائنات لعبادته - سبحانه وتعالى - وفطرها على توحيده، والاعتراف بإلوهيته، والإقرار بفقرها وحاجتها وخضوعها وصمودِها له عزَّ وجل.

فكل هذه الكائنات تقوم بعبادة الله عزَّ وجل، ولا يُخِلُّ بذلك إلا الإنسان المعاند الزائغ عن شرع الله - سبحانه وتعالى - المخالف لنظام هذا الكون المحكم البديع؛ الذي ما قام إلا على


(١) البخاري (٣١٩٩)، ومسلم (١٥٩) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>