للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجه إليه من الغائلة الدنيوية، وقد ابتلى الكاذب منهما في تضاعيف شهاداته من العذاب بما هو أتم مما درأته عنه وأطم، وفي ذلك من أحكام الحكم البالغة وآثار التفضل والرحمة ما لا يخفى؛ أما على الصادق فظاهر، وأما على الكاذب فهو إمهاله والستر عليه في الدنيا ودرء الحد عنه وتعريضه للتوبة حسبما ينبئ عنه التعرض لعنوان توابيته تعالى، فسبحانه ما أعظم شأنه! وأوسع رحمته! وأدق حكمته! قاله شيخ الإسلام (١).

[الوجه السادس: موقف التوراة والإنجيل من زنا الزوجة.]

عند النصارى يحرم الطلاق إلا لعلة الزنا فقط: ففي متى (٥/ ٣٢): (وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلَّا لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْني.)، ومعنى ذلك: أن المرأة التي تريد الطلاق في المسيحية ليس أمامها إلا الرضوخ للحياة الكئيبة التي تحياها مع رجل تكرهه تكيد له ويكيد لها، ويتمنى كل منهما التخلص من الآخر، أو على الأقل موت الآخر، أو أنها تزني في بيت الزوجية ليضبطها زوجها فيقتلها، أو يأتي بشهود عليها ليتخلص منها، وقد يأتي الرجل بشهود زور ليشهدوا على زوجته بالزنا دون وقوعه ليتمكن من طلاقها، فأين بناء الأسرة في ظل جو المشاحنات، والكيد، والكره الذي يملأ البيت! هل عدم الطلاق أو تعليقه على شرط الزنا يقيم أسر قويمة نفسيًا أو أخلاقيًا؟ وهل هذا من صالح المجتمع الذي يعيش فيه النصارى؟ (٢).

ويظهر من تعاليم الإنجيل: أنها تحض على الحد من الطلاق، ففي إنجيل متى الإصحاح (١٩/ ٨: ٣): وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: "هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟ " ٤ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: "أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأنثَى؟ ٥ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. ٦ إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لَا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ". ٧ قَالُوا


(١) روح المعاني للآلوسي (١٣/ ٣٦٠).
(٢) إنسانية المرأة علاء أبو بكر (٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>