للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} أي: تفاوتًا وتناقضًا، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت، وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال، وتعرّض قائله للإخبار بالغيب، فإنه لا يوجد منه صحيحًا مطابقًا للواقع إلا القليل النادر. (١)

[الوجه الثاني: سبب هذا الاختلاف.]

سبب هذا الاختلاف: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقف على رءوس الآي تعليمًا لأصحابه أنها رءوس آي، حتى إذا علموا ذلك وصل - صلى الله عليه وسلم - الآية بما بعدها طلبًا لتمام المعنى، فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاصلة، فيصلها بما بعدها معتبرًا أن الجميع آية واحدة، والبعض يعتبرها آية مستقلة فلا يصلها بما بعدها، وقد علمت أن الخطب في ذلك سهل؛ لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص.

وأيضًا البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف السبعة، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها، ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها. (٢)

وقيل: وسبب الاختلاف في عد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة، ومجاز، ولفظ، ورسم، واعتبار كل منها جائز، وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز، وتقدم عن ابن عباس عدد حروفه، وفيه أقوال أخر. والاشتغال باستيعاب ذلك مما لا طائل تحته، وقد قال السخاوي: لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة؛ لأن ذلك إن أفاد؛ فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان، والقرآن لا يمكن فيه ذلك. (٣)

وعن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يقطع قراءته آية آية: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)}. (٤)


(١) فتح القدير (١/ ٧٣٤ - ٧٣٥).
(٢) مناهل العرفان (١/ ٢٧٨)، والبرهان (١/ ٢٥٢).
(٣) الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٩٧).
(٤) رواه أحمد (٦/ ٣٠٢)، وأبو داود (٢/ ٤٠٠١)، وصححه الألباني إرواء الغليل (٢/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>