للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماذا معك من القرآن؟ . قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عَدَّهَا قال: أتقرَؤُهُن عن ظهر قلبك؟ . قال: نعم (١).

هذا هو الشاهد، ولا شك أن في هذا الحفظ المتقن أمانًا من الضياع، خاصة مع انتشار ذلك الحفظ في عدد وفير من المهاجرين الأوائل والأنصار، فالقرآن جمع في صدورهم كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٩]، ومَنْ كان يحفظ بعضه فإن عنده من السور التي يحفظها ما لا يشترط أن تكون هي التي يحفظها أخوه، فربما يحفظ مواضعًا أخرى من القرآن الكريم، هذا بخلاف العدد الكبير من الصحابة الذين كانوا يجمعون القرآن كله في صدورهم.

بل وكان القرآن مكتوبًا كله على العسب والأكتاف، مفرقًا في الصحف عند الصحابة، عند كل واحد منهم الأوراق العديدة، ويعتنون بها عناية خاصة، ولم يكن مجموعًا في مكان واحد.

[الوجه الثاني: أن الله قد حفظ نبيه من نسيان القرآن.]

إن الله قد أمن نبيه - صلى الله عليه وسلم - من النسيان بقوله سبحانه وتعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى: ٦، ٧] أي: ما شاء أن يرفع حكمه بالنسخ، فلا خوف إذن أن يذهب شيء من القرآن الكريم، وأما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن النسيان قد يقع، فبادر المسلمون إلى جمعه في مصحف واحد (٢).

[الوجه الثالث: نزول القرآن مفرقا في زمن طويل يمنع جمعه في مكان واحد]

إن من أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن لم ينزل مرة واحدة، وإنما نزل مفرقًا منجمًا، ولا سبيل إلى جمعه ما لم يكتمل نزوله ويتمُّ.

وكان ينزل فيما ينزل من أمور تجدُّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وبحسب الحوادث والأسباب هذا مع تباعد الأزمان فنزل القرآن فيما يزيد على عشرين سنة. عن عائشة، وابن عباس - رضي الله عنهم -


(١) البخاري (٥٠٣٠).
(٢) دراسات في علوم القرآن الكريم د/ فهد بن عبد الرحمن الرومي صـ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>