للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيذهب عنه الروع ويحصل له التشوق إلى عودة الوحي، فالله تبارك وتعالى يعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويقويه ويحوطه بعنايته الخاصة، ليتحمل الوحي، لكنه لا يسلخه عن طباعه البشرية.

٢ - أن هذه الفترة قد حملت الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التعجب والتساؤل والبحث، وانتشر الخبر بين طائفة يعز عندها محمد بن عبد الله، فخلف انقطاع الوحي يقينًا بأن هذه الظاهرة خارجة عن ذات النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصار مع من حوله متثبتين من إلهية ظاهرة الوحي، وقد استبطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - فحثه على الإكثار من زيارته، فنزل الجواب آية من القرآن تبين أنه مأمور من الله تعالى، وأن الله لا ينسى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِجِبْرِيلَ: "مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا" فَنزلَتْ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}.

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرك شفتيه غريزيًا أثناء تلقي الوحي حرصًا على الدقة في استحفاظ القرآن، فأتاه الأمر بالاستسلام الكامل للوحي قلبًا وفكرًا وجارحةً، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} [القيامة: ١٦، ١٧]، {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤].

وهكذا يجد الباحث أن الوحي ينقطع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرغم من شدة طلبه وحرارة لهفته إليه، وإنه فجائي إلزامي، يأمره بالتسليم التام، ولهذا دلالة بليغة على أن حدوث الوحي مستقل عن تدخل ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - وإرادته، وأنه لا سبيل له إلى دفعه أو استحضاره، وهذا مما يقوي اليقين بصدق صاحبه، والاطمئنان إلى ربانية مصدره.

[٤ - حصول الوحي وفق الاصطفاء الإلهي.]

اشرأبت أعناق المشركين إلى مقام النبوة بعد أن سمعوا آيات الله الباهرات، ورأوا ما أجراه على يد محمد - صلى الله عليه وسلم - من معجزات قاهرات، وتملك الحسد قلوبهم، كيف تكون النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وفيهم من الزعماء من تعظمهم قبائل العرب؟ اندفع أكابر مجرمي مكة يطالبون أن ينزل الله عليهم الوحي كما أنزله على المرسلين فكشفوا عن عنادهم

<<  <  ج: ص:  >  >>