للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليعلو ولا يعلى. قال: والله لا يرضى قومك حتّى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكّر فيه؛ فلما فكر قال: هذا سحر يأثره عن غيره، فنزلت {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)} [المدثر: ١١]. قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدًا، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر. (١)

[الأدلة العقلية]

قال السيوطي: إن العرب الفصحاء اللدّ: قد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره، وإخفاء أمره، فلو كان في مقدرتهم معارضته، لعدلوا إليها قطعًا للحجة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدث نفسه بشيء من ذلك، ولا رامه، بل عدلوا إلى العناد تارة، وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: سحر، وتارة قالوا: شعر، وتارة قالوا: أساطير الأولين، كل ذلك من التحيّر والانقطاع، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم، وسبي ذراريهم، وحرمهم، واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنفَ شيءٍ، وأشدّه حميّة، فلو علموا أن الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه؛ لأنه كان أهون عليهم.

قال الجاحظ: بعث الله محمدًا أكثر ما كانت العرب، شاعرًا وخطيبًا، وأحكم ما كانت لغةً، وأشدّ ما كانت عدةً، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله، وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجّة؛ فلما قطع العذر وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية، دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب، ونصبوا له. وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتجّ عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباحًا ومساءً، إلى أن يعارضوه إن كان كاذبًا، بسورة واحدة أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحدّيًا لهم بها، وتقريعًا لعجزهم عنها، تكشّف من نقصهم ما كان مستورًا، وظهر منه ما كان خفيًّا، فحين لم يجدوا حيلةً، ولا حجةً، قالوا له: أنت


(١) أخرجه الحاكم (٣٨٠٧)، والبيهقي في دلائل النبوة (٥٠٢)، وشعب الإيمان (١٢٦): كلاهما عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣٢٨٧)، عن معمر، عن رجل، عن عكرمة به. والحديث صححه الألباني: في صحيح السيرة النبوية (١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>